خبير الاعشاب والتغذية العلاجية عطار صويلح 00962779839388

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

حكمة الصوم وفضائله




حكمة الصوم وفضائله

أن التقوى من المقاصد العالية والغايات السامية لا يصل إليها إلا أصحاب الهمم العالية والعزائم الماضية.
وهى غاية ما يصل إليه العابدون ومنتهى طواف القاصدين. والقرآن الكريم - وهو الداعي إلى سلوك الطريق إلى التقوى - فقد بين أسلوب الوصول إليها. قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177] فقد ساقت الآية قواعد الوفاء بالعهد وهو من خصال أولى العزم من الناس، وذكرت الصبر ومواضعه وختمت ذلك بالشهادة لفاعل هذا كله بأنه على الصدق والتقوى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾.

ومن هنا نتعرف على قيمة الصوم وفضيلته وأنه كفيل بحصول الصائم على هذه الخصال كلها التي توصله إلى مرتبة الفتوى إذا عقل الصائم معنى الصوم وعمل به. قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

إن مزايا الصوم كثيرة: فمنها أنه يربط الإنسان بربه سبحانه عن طريق اصلاح العقيدة ففي قوله - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة سبحانه "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به" إرشاد إلى وجوب تطهير قلب المسلم من الرياء وهو يعمل الصالحات ليكون ذلك لله وابتغاء مرضاته لا ليصيب بها عرض الدنيا. فإن الرياء أو العمل للدنيا من أسباب ضياع ثواب الأعمال حيث جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة" رواه أبو داود من حديث أبى هريرة رضى الله عنه. وإذا كان هذا في العلم فهو في الأعمال أولى.

ومن فوائد الصوم: أنه يربى في الإنسان ملكة مراقبة الله سبحانه بإعداد نفس الصائم وتهيئة وجدانه لمحاسبة نفسه أولا بأول. فالمرء يكون وحده بين جدران أربع بحيث لا يراه أحد إلا الله، وبين يديه الطعام الشهي والماء البارد العذب، ومن اليسير عليه أن ينال منه بغيته ويشبع نهمته.. وإنما يمنعه من ذلك شعوره بمراقبة الله له واحساسه بأنه بين يدرى ربه فلا مناص من الحساب الإلهي الدقيق ومجازاته على عمله أن خيرا فخير وأن شرا فشر. ومع ان هذه المأكولات والمشروبات حلال في ذاتها إلا أنه يمتنع عنها امتثالا لأمر الله، فتتزبر بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عناه فيكون اجتنابه لها أيشر. فهذه المراقبة لله من كمال الإيمان به سبحانه والحياء منه والاستغراق في تعظيمه وتقديسه. فالصوم أكبر معد للأنفس ومؤهل لها لضبطها ونزاهتها في الدنيا وسعادتها في الآخرة. فإذا نشطت في نفس المسلم فضيلة المراقبة الدنيا وسعاداتها في الآخرة. فإذا نشطت في نفس المسلم فضيلة المراقبة به سبحانه صاحبته في جميع أحواله فتصلح بها أعماله وأقواله. فإذا هم بمعصية أو بالتعدي على بعض حرمات الله وقفت في وجهه فضيلة المراقبة فحالت بينه وبين الوقوع في المحرمات ومنعته من الخوض في المنهيات. وهذا ما يؤكده لنا قول الله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]. والدنيا تصلح بمثل هذا الصنف من الناس فبكثرتهم يكثر الاصلاح وبقلتهم يقل. أمثال هؤلاء يصدقون ولا يكذبون، يخلصون ولا ينافقون، يصلحون ولا يفسدون، فهم يقدمون ما لله على ما لأنفسهم. ومن هنا نعلم أن الصوم في رمضان أعداد للمسلم لما بعد رمضان إذا تمكنت منه حاسة المراقبة فأخذ منها درسا لروحه ووجدانه فإنه يعيش بقية عامه - بل عمره كله - صالحا مصلحا... فالصوم - من هذا المنطلق - يعتبر من أكبر عوامل الإصلاح الاجتماعى والخلقي.

وإذا كانت هناك حكمة تقول "ليس كمال الأخلاف ألا يخطئ الإنسان فحسب، وإنام كمال الأخلاف أن يتحمل أخطاء الآخرين" فهذه الحكمة تدور في فلك الصوم وكفى بها فضيلة. فقد جاء في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يفسق ولا يجهل... " فهذه العبارة من الحديث تصحح مفهوما عند بعض الناس.. هؤلاء الذين يظنون أن الصائم يلتزم بآداب الصيام أثناء النهار رمضان ويباح له في الليل أن يلهو أو يلعب أو يعرض عن طاعة الله.. وهذا هو موطن الداء في المجتمع الاسلامي " وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش " فإن الحديث يقرر "يوم صوم أحدكم" واليوم مكون من الليل والنهار. فإذا كان قد سمح لنا أن نتناول حاجياتنا في الليل حفظا لبنيتنا فإن الواجب أن نلتزم بما يوجبه الصوم ليلنا ونهارنا على السواء، ليصبح الخلق الفاضل من سجايانا وطباعنا. وهذا هو بعض المقصود من صيام رمضان، فهو علاج من الأمراض الاجتماعية والخلقية وتعود على التردد من الطاعات. أضف إلى ذلك ما يقرره القرآن وهو يسوق أحكام الصيام حيث يقول ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185] وقد كان جبريل عليه السلام يدارس القرآن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان. أضف إلى ذلك ترغيب النبي صلوات الله وسلامه عليه في صلاة القيام "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وهى ثمان ركعات نطيل فيها قراءة القرآن ونطيل فيها الركوع والسجود عملا بما وصفت به عائشة رضى الله عنها صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قولها "كان يصلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن".

فإذا كان الصوم يعنى الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة أثناء النهار فمن ضروراته قيام الليل وقراءة القرآن على أن يراجع المرء مدى استجابته لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى يتخلق بأخلاق الإسلام ويأتمر بأوامره وينتهى عند نواهيه وليس ذلك على الانسان ببعيد. وقد كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن كما قالت عائشة رضى الله عنها.

فليس الصيام امتناعا عن الطعام والشراب فحسب وإنما هو إصلاح للعقائد وتطهير للأخلاق وتعود على الفضائل. والمثل قائم فينا، فحياة الإنسان تشارك فيها عوامل عدة من الطعام والشراب والهواء وأشعة الشمس والنوم واليقظة... ولا يمكن الاستغناء عن واحد منها. ونفس الشيء في الصوم فهو يقوم على الامتناع عن الطعام والشراب والكف عن المحرمات مع قراءة القرآن وصلاة القيام فتتم بذلك نعمة الله على عباده.

ومن هنا نعلم أن شهر رمضان من أجل نعم الله على عباده.



0 التعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ الصوم - عطار صويلح
تعريب وتطوير ( ) Powered by Blogger Design by Blogspot Templates