خبير الاعشاب والتغذية العلاجية عطار صويلح 00962779839388

الاثنين، 10 ديسمبر 2018

فوائد الصيام بشهادة الاطباء




بعيداً عن الأسباب الدينية للصيام و ما يتركه في النفس البشرية من تأثيرات إيجابية و تنقية روحية. في هذه المقالة سوف أذكر لك فقط التغيرات العلمية التي تطرأ على الجسم خلال الصيام، و ما ينتج عنها من فوائد صحية. أتمنى أن تستمتع في قراءة مقالتي هذه و تجد الفائدة المطلوبة.

مصادر طاقة الجسم خلال فترة الصيام:

إن التغيرات التي تطرأ على الجسم خلال فترة الصيام، تعتمد على طول الصيام المتواصل.

يدخل الجسم في مرحلة الصيام بعد مرورثماني ساعات على موعد آخر وجبة طعام متناولة. حيث تكون الأمعاء قد انتهت كلياً من امتصاص المواد الغذائية الموجودة في الأطعمة المتناولة.

يُعتبر سكر الجلوكوز و الذي يُخزَّن في الكبد و العضلات، هو المصدر الأساسي للطاقة. خلال فترة الصيام، يتم استهلاكالجلوكوز أولاً للحصول على الطاقة.

بعد نفاذ الجلوكوز خلال الصيام، يبدأ استهلاك الدهون المخزنة و تُعتبر المصدر الثاني للطاقة.

لكن إذا استمر الصيام بشكل متواصل لعدة أيام أو أسابيع، يبدأ الجسم باستخدام البروتين الموجود في العضلات للحصول على الطاقة. و هو ما يُعرف بالموت جوعاً و يُعتبر غير صحي و يسبب انهيار العضلات، و يبدو الشخص هزيل و ضعيف جداً ، كما في حالات المجاعة.

لكن حتماً الصيام في شهر رمضان المبارك لا يسبب الوصول إلى الحالة الثالثة من الصيام، أي استهلاك الطاقة من العضلات و الموت جوعاً. لأن الصيام يتم إيقافه يومياً و ليس صياماً متواصلاً دون إفطار، و هو ما يُعرف بالصيام المتقطع.

الصيام المتقطع: هو النمط اليومي المنتظم من مواعيد تناول الطعام و الصيام عن الطعام و الشراب (كما في شهر رمضان المبارك: موعد محدد يومياً للصيام يقابله موعد محدد يومياً للإفطار و ذلك بشكل يومي منتظم على مدى شهرٍ كامل).

فوائد الصيام على لسان الأطباء:

يقول الدكتور رزين معروف، و هو طبيب تخدير من جامعة أوكسفورد في بريطانيا:

إن عملية الصيام تُعتبر عملية فعالة لإزالة سموم الجسم، لأنه يساعد على تحليل السموم المتراكمة في الدهون و بالتالي إزالتها من الجسم.

كما يقول: إن استهلاك الدهون للحصول على طاقة يساعد في إنقاص الوزن و يحافظ على العضلات و يؤدي لانخفاض مستوى الكولسترول الضار في الدم، بالإضافة لتحسين السيطرة على داء السكري و ضغط الدم المرتفع.

و يضيف إلى ذلك، أنه بعد مرور بضعة أيام من بداية صيام رمضان (أي من الصيام و الإفطار المتكرر يومياً)، ترتفع مستويات هرمون الإندورفين في الدم، مما يجعلك أكثر يقظة و يحسن الصحة العقلية و النفسية.

يقول الدكتور جويل فورمان، و هو أخصائي التغذية و علاج البدانة و مؤلف كتاب كُل لتعيش (Eat to live):

بالنسبة للأشخاص الأصحاء، إن الصيام هو طريقة صحية و آمنة و ليس له أي مخاطر أو مضاعفات سلبية. بل على العكس يُعتبر الصيام طريقة فعالة لإزالة سموم الجسم المتراكمة في الخلايا و الأنسجة، و التي تسبب تلف الأعصاب و تؤدي لعلامات التقدم في السن و داء السكري النمط الثاني و تصلب الشرايين و تلف الأعضاء. لذلك و من وجهة نظر الدكتور فورمان، إن الصيام يساعد الجسم في التخلص من هذه السموم بطريقة فعالة، و بالتالي يساعد في الوقاية من كافة الأمراض التي ذكرتها أعلاه و التي تحدث نتيجة تراكم السموم.

يقول الطبيب: عندما يقوم الشخص بالصيام يوماً كاملاً، يدخل الجسم في حالة تَخَلْوُن (Ketosis)، و التي تحدث عندما يستهلك الجسم الكربوهيدرات المختزنة و يحولها إلى طاقة. و بالتالي يقوم بحرق الدهون المتراكمة و التي تتجمع فيها سموم الجسم.

لكن يضيف الطبيب: إذا كان الصيام بهدف إنقاص الوزن، لا يُعتبر أداة فعالة لعلاج البدانة إذا لم يتم اختيار وجبات الإفطار بشكل متوازن و غني بمصادر الطاقة. فعلى العكس من الممكن أن يؤدي لزيادة الوزن أيضاً. فضلاً عن بعض الحالات الصحية التي قد تؤدي لمضاعفات و مخاطر بعد الصيام، كمرضى الكلى و الكبد و الأشخاص الذين يتناولون بعض العقاقير الطبية.

كما ذكر الطبيب فورمان أنه لاحظ من خلال خبرته و ممارسته، وجود ارتباط وثيق بين الصيام و اختيار نمط غذائي متوازن خلال الإفطار و بين تخفيف حالات العديد من الأمراض و المشاكل الصحية التي تتضمن التهاب المفاصل و الأمراض الجلدية المزمنة كالصدفية و الأكزيما.

يقول الطبيب: إن الصيام يعالج كذلك أمراض الجهاز الهضمي و التهاب القولون و داء كرون، كما يفيد في خفض ضغط الدم.

و يضيف قائلاً: إذا أردت أن تعيش حياة صحية أطول، فإن أفضل نصيحة هي أن تتناول طعاماً صحياً و أن تقوم بالصيام بشكل دوري.

يقول الدكتور مايكل موسلي، و هو مؤلف كتب الحمية السريعة:

إن مبدأ الصيام المتقطع الذي يتبعه المسلمون في شهر رمضان المبارك ليس فقط مفيداً في علاج البدانة و إنقاص الوزن، إنما أثبت فعاليته في العديد من الفوائد الصحية للجسم.

و يقول أيضاً: تُظهر الدراسات أن أسلوب الصيام المتقطع أثبتت فعاليتها في خفض مستويات الكولسترول الضار و مستويات ضغط الدم و في الحساسية للأنسولين كذلك.

و في دراسة أخرى أجراها الطبيب فالتر لونجو و زملاؤه من جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس:

وجدوا أن مبدأ الصيام المتقطع يحفز نشاط الجهاز المناعي و يساعد في تجديد خلاياه و التخلص من الخلايا القديمة أو التالفة. و بالتالي يحمي الجسم من التلف الناجم عن عوامل الشيخوخة و التقدم في السن أو حتى التلف الناجم عن العلاج الكيماوي.

يقول الدكتور لونجو: عند اتباع نظام الصيام المتقطع، يقوم الجسم بالحفاظ على الطاقة، و من إحدى أساليبه لتوفير الطاقة، هي بإعادة تدوير الكثير من الخلايا المناعية التي لا يحتاج إليها، لا سيما تلك التي تكون تالفة أو معطوبة.

كما وجد الفريق الطبي أن مبدأ الصيام المتقطع قبل ثلاثة أيام من العلاج الكيميائي بالنسبة لمرضى السرطان، أدى إلى حماية الجهاز المناعي من التلف الذي يسببه العلاج الكيماوي و ساهم في تجديد الخلايا المناعية.

يقول الطبيب لونجو: الآن، إذا أردت الخضوع للعلاج الكيميائي أو كنت تعاني من الضرر الناتج عن علامات الشيخوخة، عليك باتباع مبدأ الصيام المتقطع، فهو يساعدك في الحصول على نظام مناعي جديد.

الفوائد الصحية للصيام المتقطع:

حرق الدهون و علاج البدانة:

عندما تقوم بالصيام، يبدأ جسمك في ترميم الخلايا و تغيير مستوى الهرمونات حتى تصبح الدهون المتراكمة أكثر سهولة للاستخدام كمصدر للطاقة.

هرمون الأنسولين: خلال الصيام يحدث هبوط ملحوظ في مستويات هرمون الأنسولين مما يسهل عملية حرق الدهون.

هرمون النمو: يزداد مستوى هرمون النمو بمقدار خمسة أضعاف، مما يساعد على حرق الدهون و إنقاص الوزن و اكتساب العضلات.

الإصلاح الخلوي: يقوم الجسم بتحفيز الخلايا على عمليات الإصلاحات الخلوية الهامة كإزالة الفضلات المتراكمة في الخلايا (الالتهام الذاتي). و هذا يتضمن تحطيم و استقلاب البروتينات التالفة و غير الوظيفية التي تتراكم داخل الخلايا مع مرور الوقت. إن زيادة عمليات الالتهام الذاتي توفر حماية ضد العديد من الأمراض بما في ذلك السرطان و الزهايمر.

تغيرات جينية: نتيجة الصيام تحدث تغيرات في الجينات تساعد في الوقاية من العديد من الأمراض.

إنقاص مقاومة الأنسولين و علاج داء السكري من النمط الثاني:

ففي حالة داء السكري من النمط الثاني، يحدث ارتفاع مستوى السكر في الدم نتيجة زيادة المقاومة لهرمون الأنسولين. لذلك عند الصيام يحدث العكس، أي تنخفض المقاومة للأنسولين و ينخفض مستوى السكر في الدم، مما يفيد مرضى السكري و يمنع حدوث المضاعفات الناتجة عن داء السكري.

بينما تعتبر السكريات هي المصدر الأساسي لطاقة الجسم، فهي تشجع أيضاً على زيادة مقاومة الأنسولين عندما يتم استهلاكها بكميات كبيرة. و عندما تحدث مقاومة للأنسولين، تبدأ سلسلة الأمراض المزمنة في الجسم، بدءاً بأمراض القلب و داء السكري و انتهاءً بالسرطان.

عند الصيام يقلّ استهلاك السكريات بشكل كبير، و يعمل الجسم على حرق الدهون كمصدر أساسي للطاقة. و بالتالي تنخفض المقاومة للأنسولين مما يفيد صحة الجسم بشكل كامل.

إنقاص حالات الأكسدة و الالتهابات في الجسم:

تُعتبر الأكسدة هي إحدى الخطوات الأساسية نحو الشيخوخة و علامات التقدم في السن، بالإضافة للعديد من الأمراض المزمنة. حيث تتضمن الأكسدة: وجود جزيئات غير مستقرة تدعى الجزيئات الحرة و التي تتفاعل مع جزيئات أخرى (كالبروتينات و الحمض النووي DNA) و تؤدي لإتلافهم و إلحاق الضرر بهم. أثبتت العديد من الدراسات أن الصيام المتقطع يحفز على مقاومة الجسم لعمليات الأكسدة و للالتهابات.

تعزيز صحة القلب:

على اعتبار أن الصيام يفيد في خفض نسبة الكولسترول الضار و خفض ضغط الدم و خفض سكر الدم و مقاومة الالتهابات و عمليات الأكسدة، و بالتالي فهو يعزز صحة القلب عموماً و يقلل من حدوث مضاعفات أو مشاكل صحية.

تحسين صحة الدماغ و الوقاية من الاكتئاب و الزهايمر و داء باركنسون:

يفيد الصيام المتقطع في زيادة نمو الخلايا العصبية الجديدة و التي تفيد بدورها في تحسين وظائف الدماغ. بالإضافة لذلك، يزيد الصيام من مستويات هرمونات الدماغ التي تعرف باسم عوامل التغذية العصبية المشتقة من الدماغ (brain derived neurotrophic factor- BDNF)، حيث يؤدي نقص هذه الهرمونات إلى الإصابة بالاكتئاب و الزهايمر و داء باركنسون و غيرها من المشاكل الدماغية.

الحالات التي لا يجب أن يتم فيها الصيام:

المرأة الحامل أو المرضع (في بعض الحالات).

الأشخاص الذين يعانون من أمراض الهزال و سوء التغذية.

المرضى الذين يعانون من عدم انتظام ضربات القلب.

المرضى الذين يعانون من قصور كبدي أو فشل كلوي.

المرضى الذين لديهم مستوى سكر الدم غير منضبط (سواءً هبوط أو ارتفاع في سكر الدم).

نصائح لاختيار الأطعمة الصحية التي يجب تناولها خلال فترة الصيام:

أول طعام يفضل تناوله عند الإفطار هو الماء والتمر، فالماء يمنع الجفاف و يعوض نقص السوائل و التمر يعطي دفعة جيدة من الطاقة.

يجب أن تحتوي وجبات الطعام خلال فترة الإفطار على كافة العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم:

الفاكهة و الخضروات.

الخبز الأسمر و الحبوب الكاملة و البطاطا.

البروتينات من اللحوم و الدجاج و الأسماك، و يفضّل أن تكون مشوية أو مطهية على البخار.

الحليب و منتجات الألبان.

الدهون الصحية غير المشبعة.

تساعد الكربوهيدرات المعقدة على تحرير الطاقة ببطء خلال ساعات الصيام الطويلة، و من الأمثلة على ذلك، القمح و الشوفان و الطحين الأسمر و الأرز البني و الفول و العدس. كما يفضل تناول الأطعمة الغنيةبالألياف، حيث يتم هضمها ببطء أيضاً، و من الأمثلة على ذلك، الخضروات كالفاصولياء و جميع أنواع الفاكهة بما في ذلك التين و الخوخ و المشمش.

أما عند السحور: (آخر وجبة قبل الصيام)

يجب اختيار الأطعمة التي تعطي الإحساس بالشبع و تزود الجسم بالطاقة الكافية لعدة ساعات. يجب أن تكون وجبة السحور خفيفة تشمل الأطعمة التي يتم هضمها ببطء كالخبز المحمص و السلطة، و بهذه الطريقة تضمن الحصول على مصدر ثابت للطاقة. بالإضافة لكمية كافية من السوائل الغنية بالفيتامينات، مثل عصائر الفاكهة الطبيعية.

الأطعمة التي يجب تجنبها خلال فترة الصيام:

هي الأطعمة التي يتم استهلاكها و حرقها سريعاً، و هي الكربوهيدرات المكررة كالسكر و الدقيق الأبيض، بالإضافة للمواد الدهنية.

يجب الامتناع عن تناول:

الأطعمة المقلية و الغنية بالدهون المشبعة.

السكريات كالكاتويات و البسكويت و الشوكولا.

المشروبات التي تحتوي على الكافئين كالقهوة و الشاي و الكولا، 








فهي مدرة للبول و تُسرّع فقدان الماء و السوائل من الجسم

0 التعليقات:

السبت، 1 ديسمبر 2018

"صوموا تصحوا" على الطريقة الألمانية
كتب: فيليب بيتج، لاورا هوفلنجر وجوليا كوخ
مترجم للألوكة من اللغة الألمانية

ترجمه إلى العربية باختصار شديد: إسماعيل خليفة

لقد بدأتْ مجتمعات غنيَّة تُمارس التخلِّي عن الطعام، والمزيد من الألمان بدؤوا يصومون، فالصوم يمثِّل بدايةً جديدة للرُّوح والجسَد، فقد أظهرَت دراسات طبيَّة أن للصوم تأثيراتٍ علاجيَّة مؤكدة، بل إنَّ ذلك يدعو للتساؤل: هل يمكن لتقليل كميَّة السعرات الحرارية في الجسم بشكلٍ دائم أن يُطيل العُمر؟

يقول السيد المسيح: "عندما تصومون لا تكونوا عابسين الوجوه، كما يفعل المُراؤُون الذين يُقطبون وجوهَهم؛ لكي يَظهروا للناس صائمين"؛ مَتَّى 16:6.

السيدة "كون" عُمرها 46 سنة، وهي سيِّدة نحيفة، تحبُّ الضَّحِك، وتتحدَّث بقوة، وتعمل مهندسة معماريَّة ناجحة، السيدة "كون" تُمارس الصوم الاستشفائي في دير مارينتال؛ حيث تقضي هناك أسبوعًا من الصوم داخل أسوار الدير، وبعيدًا عن صَخَب العالَم.

أمر واحد كان يدعوها للتردُّد، وهو أنَّ بداية الصوم لا بدَّ أن تتمَّ بعد تناوُل مِلح غلاوبر - شراب يتمُّ من خلاله تفريغ الأمعاء، له تأثير مُشابه للحقنة الشرجيَّة - حيث إنَّ عليها أن تشربَ نِصف لتر من هذا المشروب عند وصولها إلى الدير؛ حيث يتمُّ تطهير الأمعاء وإفراغها تمامًا من أيِّ أطعمة، ثم تبدأ بعد ذلك رحلة الصوم، السيدة كون ليست الزائرة الوحيدة للدير، بل هناك الكثيرون الذين بدؤوا في التوافُد على الدير؛ ليمارسوا الصوم الاستشفائي، فيما يتزايَد عددُ الراغبين في تجربة الصوم الاستشفائي عبر دَير مارينتال أو عبر ما يُعْرَف بـ"عيادات الصوم".

لفترة طويلة كان العلاج عن طريق الصوم نوعًا من التحايُل على الطب، لكنَّ الدراسات الطبيَّة أثبتَت بما لا يدع مجالاً للشكِّ أنَّ للصوم تأثيرات علاجية تتعدَّى الإزالة المؤقَّتة لأسباب المرض، ويعكف علماء الفيسيولوجي وعلماء الأدوية - الصيدلة - على اكتشاف أسرار بيولوجيا الجوع، فيما يخصُّ مستويات الإنزيمات والمؤثرات العصبيَّة.

ويقول الرئيس السابق لمستشفيات الشاريتية في برلين ديتلف جانتن: "فترات الجوع أمرٌ جيد للكائن الحي"، فعلى مدار فترات التطوُّر كان على الإنسان أن يتعايَش مع فترات من نقْص التغذية، وظلَّت هذه الخاصية الجينيَّة - الوراثية - موروثة في الإنسان.

ويقول أندرياس بفايفر خبير الأيض في مستشفيات الشاريتية الألمانية في برلين: إنَّ التأثيرات غير المباشرة للتجويع مُشجِّعة؛ حيث إنَّ ضغط الدم يعود إلى مستواه الطبيعي بعد أيام قليلة من الصوم بالنسبة لمرضى ضغط الدم المرتفع، كما أنَّ المرضى الذين يعانون من الآلام، أقرُّوا بتحسُّن مفاجئ في مُعاناتهم، كما ينعكس تقليل السعرات الحرارية الناتج عن الصوم إيجابيًّا على مخزون الأنسولين بالنسبة لمرض السكري.

وطبقًا للتجارب على نماذج عديدة من الكائنات الحيَّة، بدءًا من دودة القز إلى الكلاب، أثبَت العلماء أن تقليل تناول الطعام بشكلٍ دائمٍ، يساعد على إطالة العُمر؛ حيث إنَّ بعض الديدان النحيفة عاشَت مرَّتين ونصف أطول من مَثيلاتها الشبعة، وكذلك فإنَّ التخلي عن الطعام بالنسبة للبشر يدفع آليَّات فسيولوجية قديمة إلى العمل، ولولاها ما تمكَّن أسلافنا من البقاء على قيد الحياة أثناء فترات المجاعات، بل ويبدو أنَّ الإنسان قد عرَف بالفطرة - الغريزة - مدى التأثير الناجع للجوع المحدَّد على صحة الإنسان، فعند الفراعنة مثلاً كان الصوم لأيام عديدة يَسبق المناسبات الدينية، وفي "إسبرطة" كان يتمُّ تدريب النشء على التعوُّد على الصيام لفترات طويلة، وذلك لخلْق القوَّة عن طريق الاستغناء عن الشهوات، وكان النورمانيون - شعوب الشمال، أو الفايكنج - يصومون قبل المعارك المهمَّة؛ من أجْل أن "يقدِّموا للموت أجسادًا وأرواحًا طاهرة"، وحتى "بوذا" - وطبقًا للأسطورة - فإنه في رحلة بحْثه عن إشعاع الرُّوح بالنور قد عاش 7 سنوات يأكل البذور والحشائش فقط.

جميع الديانات الكبرى تَفرض على مُعتنقيها الصوم حتى يومنا هذا؛ حيث إنَّ التخلي عن الطعام يحرِّر النفس من الخطايا والآثام، ويكون استعدادًا لأعياد تأتي بعده، أو لتذكُّر الموتى، فاليهود يصومون 6 أيام في السنة لمدة 24 ساعة، دون أيِّ طعام جافٍّ أو سوائل، ويُعتبر يوم "كيبور"- يوم المصالحة - هو من أهمِّ أيَّام الصوم لدى اليهود، في حين يصوم بعض اليهود في ذكرى وفاة والِديهم، أو في ذكرى يوم زفافهم الشخصي.

فيما يصوم المسلمون في رمضان - شهر التطهُّر من الذنوب - لمدة 30 يومًا عن الطعام والشراب منذ شروق الشمس وحتى الغروب؛ حيث يبدأ الصوم رسميًّا مع زوال العتمة، من خلال التخلِّي عن الطعام.

يرجو المسلمون غفرانًا لذنوبهم، ويقول النبي محمد: إنه إذا جاء رمضان، أُغْلِقت أبواب النيران، وفُتحت أبواب الجِنان.

وفي المسيحية - وحسب إنجيل متَّى - فإنَّ المسيح صام 40 يومًا وليلة في الصحراء؛ حيث قاوَم بذلك إغواءات الشيطان، والذي قال له: "إن كنتَ ابن الله، فقُل أن تصير هذه الحجارة خُبزًا"، واستنادًا إلى ذلك يصوم المسيحيون ما يُعرف باسم الصوم الكبير، وهي الأربعون يومًا التي تَسبق الفصح، ويقول عالِم اللاهوت "جويدو فوكس"، والذي ألَّف مع القس الكاثوليكي كوليناريك كتابًا بعنوان "الرب والشهيَّة": "أوامر كثيرة أخرى بالصوم، تَمَّ نسيانها في المسيحية، فبالتأكيد تجد اليوم مَن لا يزال يعرف أن "عيد البشارة"، أو "الأدفنت" هو في الأساس فترة صوم، وأنه من الواجب صوم ساعة قبل التناول".

اليوم ظهَر ما يُعرَف بالصوم العلاجي، وهناك عيادات خاصة بذلك، مثل: عيادة "أوتو بوخينجر"، وهي العيادة التي أسَّسها أوتو بوخينجر عام 1919، وهو الرجل الذي ابتكَر ما يُعْرَف بـ "علاج بوخينجر عن طريق الصوم"، وذلك عن تجربة شخصيَّة.

مدير العيادة اليوم هو أندرياس بوخينجر، 62 عامًا، ذو نظرة حادَّة وصوت ناعم، وهو معالِج عن طريق الصوم أيضًا، يسير على خُطَى جَدِّه "أوتو" بعد أن جرَّب العلاج عن طريق الصوم، وكيف أنه كان يُعاني من روماتيزم حادٍّ، وبعد تجربة الصوم، وتناول الشربة وحْدَها تَمَّ شفاؤه للأبد، ومن هنا تسلَّم أندرياس عيادة جَدِّه التقليديَّة، فيما تَستعد ابنته لاستكمال المسيرة من بعده.

واليوم أصبَح الصوم على طريقة بوخينجر هو إحدى الطُّرق الرائدة في مجال الزُّهد والانقطاع عن الطعام؛ حيث يُمارس غالبيَّة معالجي الصوم برنامجًا يَعتمد على طريقة بوخينجر، وحتى في دير مارينتال يُمارس رُوَّاد الدير التقشُّفَ والزُّهد على طريقة بوخينجر.

وهناك نتائج طيبة لعيادات الصوم بصفة عامَّة؛ حيث تحكي بترا يانسنج - 47 عامًا - تجربتها مع الصوم، وكيف أثَّر الجوع تأثيرًا إيجابيًّا عليها قائلة: "في أول مرة كان لَدَي طاقة هائلة، وكنت أمشي لساعات في الغابة، وكنت بالتأكيد أشعرُ بالرغبة في النُّعاس"، متذكرة تجربتها مع عيادات الصوم، مثل: بوخينجر جلاوبربرج، وباد بيرمونت، وهي تقوم بالذَّهاب إلى عيادة باد بيرمونت بشكلٍ منتظم؛ من أجْل "أن تقوم بعملٍ لها وحْدَها"، وهو أن تُحافظ على صحَّتها وتقول: "ما تُنفقه بعض صديقاتي على حقن البوتوكس، أُنْفِقه

ويقول المعالج بوخينجر: "الصوم يُمكنه الحَد من الالتهابات"، وهو ما يُزيل السبب الرئيس لأمراضٍ كثيرة.

لكنَّ بعض الأطباء الآخرين يُشكِّكون في النجاح على المستوى البعيد؛ حيث يقول هانز هاونر طبيب التغذية من ميونيخ: "صحيح أنَّ الصوم يُقلِّل من حدوث التهابات، لكنَّ ذلك ليس بشكل دائمٍ، وهي طريقة لا تُعالج بها أي أمراض"، لكنَّ الكثيرين من المرضى سُعداء بتخفيف مُعاناتهم من خلال الصوم.

ويقول أندرياس ميشالزن أحد أطباء العلاج عن طريق الصوم: "حتى وإن كان الصوم لا يُحقِّق الشفاء في حالة الأمراض المستعصية، فإن بين يدينا نجاحًا بديلاً"، وذلك فيما يخصُّ إحدى مريضاته التي كانتْ تُعاني من مرض مستعصٍ، وتمكَّنت من التقليل من كميَّة الكورتيزون والأدوية الأخرى التي تتناولها، وكان الطبيب النرويجي المعروف "ينس كيلدسن كراخ" قد كتَب في مجلة "لانسيت" العلميَّة المتخصصة منذ عدة سنوات عن تأثير الصوم، وتعديل طُرق التغذية على الْتِهاب المفاصل الروماتويدي.

هناك ثلاث مجموعات من المرضى، يسعى ميشالزن إلى تحقيق تخفيف لمُعاناتهم عبر تقليل السعرات الحرارية، عن طريق الصوم، وهم: مرضى الروماتيزم، والمرضى ذَوُو الآلام المزمنة، والمرضى الذين يعانون من سِمنة مُفرطة، وهم المرضى الذين يعانون من مشكلات في ضغط الدم ومستوى السكر، تهدِّدهم بنوبات قلبيَّة عاجلاً أم أجلاً.

ويقول ميشالزن: "لقد استطعنا أن نَصِل إلى خفْضٍ لضغط الدم لَدَى المرضى الذين يعانون من متلازمة أيضية، وكان تَعاطي المريض أفضل مع الأنسولين".

أثناء الصوم يبدأ الجسم في استهلاك مخزون الطاقة الموجود في الجسم، وبعد يوم دون تغذية، فإن مخزون السكر في الكبد يتمُّ استهلاكه، وعلى المدى القصير يبدأ الجسم في الاستعانة بالبروتينات، من خلال الجهاز الهضمي والعضلات، والتي تتحوَّل إلى بناء الجلوكوز، "لاحِظ هنا أنه من السُّنة أن تُفطر على تَمْرٍ، وهو الذي يحتوي على كميَّة كبيرة من السكريات؛ لتعويض ما تَمَّ استهلاكه".

أما فيما يخصُّ مخزون الدهون، فإن عملية الأيض تتحوَّل من المستوى الطبيعي إلى مستوى الطوارئ، ويقوم الكبد والجهاز العضلي بزيادة استخدام الأحماض الدهنية كوقود للعمليات الحيويَّة في الجسم، وبعد 3 أيام من الصوم يبدأ الكبد في معالجة منتجات الهدْم الغذائي وتحويلها إلى أجسام كيتونيَّة، والتي تمدُّ المخ والقلب بالطاقة اللازمة بدلاً من الجلوكوز.

ويستطيع الإنسان الصحيح ذو الوزن المعتاد، أن يعيش قُرابة 40 يومًا دون تغذية؛ حيث يقوم الجسم بتخفيض استهلاكه للطاقة في أوقات الجوع، وتبدأ حرارة الجسم في الانخفاض بسهولة، وهو ما يُشعر الصائمين في بداية الصوم ببعض البرودة.

ومن أجل تقليل عملية هدْم البروتين قدْر الإمكان أثناء الصوم، فإنَّ الأطباء في عيادة "باد بيرمونت" ينصحون مرضاهم بالإكثار من الحركة، ويقول الدكتور بوخينجر: إنَّ العضلات الوحيدة التي يتراجع أداؤها هي عضلات المضْغ".

مع بداية الصوم يُصبح الجسم في حالة استعداد وتنبيه، وذلك بسبب إفراز هرمونات القلق والتوتُّر، مثل: الأدرينالين والكرتيزول، وبعد عدة أيام من الصوم، يُصبح المخ في حالة جيدة جدًّا، ويروي الكثيرون ممن جرَّبوا الصوم عن عُلوِّ مشاعرهم، وحدوث حالة توازُن لَدَيهم، بالإضافة إلى حِدَّة مفاجئة في التركيز، ويُرجع الأطباء هذه الحالة الطيبة للمخ إلى هرمون "سيروتوين"، أو هرمون السعادة، والذي يُصبح متاحًا لفترة أطول بسبب قلة ناقلاته، بسبب الصوم لفترة طويلة، ويؤثِّر ذلك في زيادة تأثير مضادات الاكتئاب.

ويقول جيرالد هوتر باحث علوم المخ، والذي يبحث في الفيسيولوجيا العصبية للصوم: "إنَّ هذه الأليَّة مهمة جدًّا؛ حيث إنها تحمي الإنسان من الهلَع في فترات المجاعات، وبالتالي تساعده على التركيز والتفكير بوضوح".

بعد 20 عامًا من بَدء التجارب الخاصة بالصوم على الحيوانات، كتَب الباحث في علوم الشيخوخة ريتشارد فايندورش في مجلة "ساينس" العلمية عام 2009 قائلاً: "إنَّ تقليل السعرات الحرارية يَكبح الشيخوخة لدى الرئيسيات، كما يُقلل من مخاطر الإصابة بأمراض، مثل: مرض السكري والسرطان، وأمراض القلب والدورة الدموية، وضمور المخ".

ويقوم دكتور لويجي فونتانا - الباحث في قسم طب الشيخوخة وعِلْم التغذية في كلية الطب في جامعة واشنطن بولاية "ميسوري" الأمريكية - بتجارب لمعرفة ما إذا كانتْ نظريَّة أنَّ الصوم يُطيل العُمر تسري أيضًا على البشر، لكن أن تُخضع متطوِّعين لحِمية صارمة لعقود، أمرٌ صعبٌ، إلاَّ أنَّ فونتانا حالَفَه الحظ، فقد أبدى أكثر من ألف متطوِّع - ممن يسمون أنفسهم "فناني الجوع"، والتابعين لجمعية تقليل السعرات الحرارية، وغالبيتهم من الأمريكيين - استعدادَهم للعيش بتقشُّف؛ لتقليل السعرات الحرارية، ويتردَّد كثيرٌ منهم على معمل فونتانا؛ لإجراء قياسات الدم والقلب، والدورة الدمويَّة


0 التعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ الصوم - عطار صويلح
تعريب وتطوير ( ) Powered by Blogger Design by Blogspot Templates